تسبب النزاع الحاصل حول إقليم أردل بين الدولة العثمانية وإمبراطورية النمسا في معارك طاحنة بين الطرفين, وقد شيدت النمسا قلعة جديدة على الحدود خلافًا لمعاهدة ستواتوروك المعقودة بين النمسا والعثمانيين عام 1015 هجرية = 1606م في زمن السلطان أحمد الأول رحمه الله.
فلما رفضوا هدمها خرج فاضل أحمد باشا على رأس حملة ضخمة من مائة وعشرين ألف جندي, ومائة وثلاثة وعشرين مدفعًا وذخائر محملة على ستين ألف جمل ومائة ألف بغل, ثم لحق به خان القرم على رأس جيش من مائة ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل.
دخل أحمد باشا سلوفاكيا على رأس الجيش الجرار وفي 8 أغسطس 1663م = أوائل محرم 1074 هجرية بدأ الحصار العثماني لقلعة أويوار, وقد استغرق فتح القلعة مدة قصيرة لا تتجاوز سبعة وثلاثين يومًا حتى سقطت في يده, وهذا النصر قد أكسبه صيتًا كبيرًا, لأنها كانت من أحصن مدن الأرض, فقد كانت تمتلك وسائل دفاعية جيدة, فوصلت قوة العثمانيين في الغرب إلى ذروتها.
يروي المؤرخ النمساوي هامر عن هذا الفتح فيقول: إن إحراز فتح أويوار في سبعة وثلاثين يومًا قد أصاب أوروبا بالدهشة والخوف, وتسبب في إشاعة استيلاء الأتراك على بلاد أوروبا بأكملها وهذا ما أثار القلق والخوف الشديدين لدى أبناء القارة جميعًا.
لما يكتفي أحمد باشا بهذا النصر العظيم بل أرسل قوات الصاعقة نحو قلعة أولموتز – تقع الآن في جمهورية التشيك- فاستطاع المجاهدون دخول القلعة بعد معارك طاحنة وبهذا أصبح شمال بج – فيينا- مفتوح, وعلي إثر ذلك استسلمت ثلاثون قلعة فأسس أحمد باشا إيالة أويوار في صفر 1074 هجرية = 1663م.
وقال المؤرخ إسماعيل سرهنك: اندهش لهذه الأخبار إمبراطور النمسا حيث رأى جيوش العثمانيين انتشرت في بلاده بإقليمي أردل ومورافيا وفتحوا كذلك نويغراد وأطرافها, وكان اندهاشه هذه المرة عظيمًا أكثر مما اندهش أسلافه من قبل مدة السلطان سليمان القانوني الذي وطيء بلادهم المرار العديدة, وذلك لأنه كان يظن أن قوة العثمانيين قد انحطت في أوروبا لما أتعرى دولتهم من الفتن والاختلالات الداخلية منذ نصف القرن الماضي.
عاد أحمد باشا إلى بلجراد لقضاء الشتاء, فلما حل الربيع توجه إلى يني قلعة تلك القلعة الجديدة التي بناها النمساويون فأدت إلى نشوب الحرب, فحاصرها وفتحها فأصبحت قواته على الضفة الشرقية لنهر رابا بالقرب من حدود النمسا.
فزع الإمبراطور الألماني وطلب المدد من ملك فرنسا لويس الرابع عشر فجاءه خمسة آلاف خيال انضموا إلى جيشه فاكتمل عددهم ستين ألفا على الضفة الغربية لنهر رابا.
عزم أحمد باشا على عبور النهر إلى الجيش الألماني, فكان أول من عبر النهر أمير أمراء البوسنة إسماعيل باشا على رأس عشرة آلاف مقاتل, هنا أطلق الألمان مدافعهم فنسف الجسر, فلم يتمكن أحمد باشا وسائر الجيش من العبور.
تحرك إسماعيل باشا بعشرة آلاف مجاهد نحو ستين ألفا من الألمان والفرنسيين, ودارت رحى حرب ضروس استمرت يومًا كاملاً, لم يستطع الألمان حسم المعركة لصالحهم بالرغم التفوق العددي, وعندما حل الليلة انقض إسماعيل باشا على جيش الإمبراطور فقتل منه عشرة آلف مقاتل, هنا طلب الإمبراطور الصلح بعد هذه الهزيمة الساحقة, فتم توقيع معاهدة واشوار, وتنص على الإبقاء على كل المدن التي فتحها فاضل باشا في يد العثمانيين, بالإضافة إلى أن تدفع ألمانيا غرامة حربية قدرها مائتا ألف سبيكة ذهبية سَنَوِيًّا.
حقائق الأخبار عن دول البحار ** تاريخ الدولة العثمانية ** خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ** بشاير أهل الإيمان بفتوح آل عثمان ** منهل الظمآن لإنصاف آل عثمان
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اَللَّه ۚ إِنَّ اَللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
مصطفى نصر زهران
#عمر_حامد
من صفحه المؤرخ مصطفى سعد زهران